{يا أيها الذين آمنوا إنْ تطيعوا فريقاً...} الآية. نزلت في الأوس والخزرج حين أغرى قومٌ من اليهود بينهم ليفتنوهم عن دينهم، ثمَّ خاطبهم فقال: {وكيف تكفرون} أَيْ: على أيِّ حالٍ يقع منكم الكفر وآياتُ الله التي تدلُّ على توحيده تُتلى عليكم {وفيكم رسوله ومَنْ يعتصم بالله} يؤمن بالله.{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقَّ تقاته} وهو أَنْ يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر، فلما نزل هذا قال أصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ومَنْ يقوى على هذا؟ وشقَّ عليهم، فأنزل الله تعالى: {فاتَّقوا الله ما استطعتم} فنسخت الأولى {ولا تموتنَّ إلاَّ وأنتم مسلمون} أَيْ: كونوا على الإِسلام حتى إذا أتاكم الموت صادفكم عليه، وهو في الحقيقةِ نهيٌ عن ترك الإِسلام.{واعتصموا بحبل الله جميعاً} أَيْ: تمسَّكوا بدين الله، والخطاب للأوس والخزرج {ولا تفرقوا} كما كنتم في الجاهليَّة مُقتتلين على غير دين الله {واذكروا نعمة الله عليكم} بالإِسلام {إذ كنتم أعداءً} يعني: ما كان بين الأوس والخزرج من الحرب إلى أن ألَّفَ الله بين قلوبهم بالإِسلام، فزالت تلك الأحقاد، وصاروا إخواناً مُتوادِّين، فذلك قوله: {فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار} أَيْ: طرف حفرةٍ من النَّار لو متم على ما كنتم عليه {فأنقذكم} فنجَّاكم {منها} بالإِسلام وبمحمد عليه السَّلام {كذلك} أَيْ: مثل هذا البيان الذي تُلي عليكم {يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون}.{ولتكن منكم أمة...} الآية. أَيْ: وليكن كلُّكم كذلك، ودخلت (مِنْ) لتخصيص المخاطبين من غيرهم.{ولا تكونوا كالذين تفرَّقوا} أَي: اليهود والنَّصارى {واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات} أَيْ: إنَّ اليهود اختلفوا بعد موسى، فصاروا فرقاً، وكذلك النَّصارى.{يومَ تبيض وجوه} أَيْ: وجوه المهاجرين والأنصار ومَنْ آمنَ بمحمدٍ عليه السَّلام، {وتسودّ وجوه} اليهود والنَّصارى ومَنْ كفر به {فأمَّا الذين اسودَّت وجوههم} فيقال لهم: {أكفرتم بعد إيمانكم} لأنَّهم شهدوا لمحمدٍ عليه السَّلام بالنُّبوَّة، فلمَّا قدم عليهم كذَّبوه وكفروا به.{وأمَّا الذين ابيضَّت وجوههم ففي رحمة الله} أَيْ: جنَّته.{تلك آيات الله} أَي: القرآن {نتلوها عليك} نُبيِّنها {بالحقِّ} بالصِّدق {وما الله يريد ظلماً للعالمين} فيعاقبهم بلا جرمٍ.