سورة آل عمران - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{يا أيها الذين آمنوا إنْ تطيعوا فريقاً...} الآية. نزلت في الأوس والخزرج حين أغرى قومٌ من اليهود بينهم ليفتنوهم عن دينهم، ثمَّ خاطبهم فقال: {وكيف تكفرون} أَيْ: على أيِّ حالٍ يقع منكم الكفر وآياتُ الله التي تدلُّ على توحيده تُتلى عليكم {وفيكم رسوله ومَنْ يعتصم بالله} يؤمن بالله.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقَّ تقاته} وهو أَنْ يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر، فلما نزل هذا قال أصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ومَنْ يقوى على هذا؟ وشقَّ عليهم، فأنزل الله تعالى: {فاتَّقوا الله ما استطعتم} فنسخت الأولى {ولا تموتنَّ إلاَّ وأنتم مسلمون} أَيْ: كونوا على الإِسلام حتى إذا أتاكم الموت صادفكم عليه، وهو في الحقيقةِ نهيٌ عن ترك الإِسلام.
{واعتصموا بحبل الله جميعاً} أَيْ: تمسَّكوا بدين الله، والخطاب للأوس والخزرج {ولا تفرقوا} كما كنتم في الجاهليَّة مُقتتلين على غير دين الله {واذكروا نعمة الله عليكم} بالإِسلام {إذ كنتم أعداءً} يعني: ما كان بين الأوس والخزرج من الحرب إلى أن ألَّفَ الله بين قلوبهم بالإِسلام، فزالت تلك الأحقاد، وصاروا إخواناً مُتوادِّين، فذلك قوله: {فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار} أَيْ: طرف حفرةٍ من النَّار لو متم على ما كنتم عليه {فأنقذكم} فنجَّاكم {منها} بالإِسلام وبمحمد عليه السَّلام {كذلك} أَيْ: مثل هذا البيان الذي تُلي عليكم {يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون}.
{ولتكن منكم أمة...} الآية. أَيْ: وليكن كلُّكم كذلك، ودخلت (مِنْ) لتخصيص المخاطبين من غيرهم.
{ولا تكونوا كالذين تفرَّقوا} أَي: اليهود والنَّصارى {واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات} أَيْ: إنَّ اليهود اختلفوا بعد موسى، فصاروا فرقاً، وكذلك النَّصارى.
{يومَ تبيض وجوه} أَيْ: وجوه المهاجرين والأنصار ومَنْ آمنَ بمحمدٍ عليه السَّلام، {وتسودّ وجوه} اليهود والنَّصارى ومَنْ كفر به {فأمَّا الذين اسودَّت وجوههم} فيقال لهم: {أكفرتم بعد إيمانكم} لأنَّهم شهدوا لمحمدٍ عليه السَّلام بالنُّبوَّة، فلمَّا قدم عليهم كذَّبوه وكفروا به.
{وأمَّا الذين ابيضَّت وجوههم ففي رحمة الله} أَيْ: جنَّته.
{تلك آيات الله} أَي: القرآن {نتلوها عليك} نُبيِّنها {بالحقِّ} بالصِّدق {وما الله يريد ظلماً للعالمين} فيعاقبهم بلا جرمٍ.


{كنتم خير أمة} عند الله في اللَّوح المحفوظ. يعني: أمَّة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم {أُخرجت للناس} أُظهرت لهم، وما أَخرج الله تعالى للنَّاس أُمَّة خيراً من أُمَّة محمَّد عليه السَّلام، ثمَّ مدحهم بما فيهم من الخصال فقال: {تأمرون بالمعروف...} الآية.
{لن يضرُّوكم} أَي: اليهود {إلاَّ أذىً} إلاَّ ضرراً يسيراً باللِّسان، مثل الوعيد والبهت {وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار} منهزمين. وعد الله نبيَّه والمؤمنين النُّصرة على اليهود، فصدق وعده فلم يقاتل يهود المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاًّ انهزموا.
{ضربت عليهم الذلة} ذكرناه {أينما ثقفوا} وُجدوا وصُودفوا {إلاَّ بحبل من الله} أَيْ: لكن قد يعتصمون بالعهد إذا أعطوه، والمعنى: أنَّهم إذلاء في كلِّ مكان إلاَّ أنَّهم يعتصمون بالعهد، والمراد: {بحبلٍ من الله وحبلٍ من الناس} العهد والذِّمَّة والأمان الذي يأخذونه من المؤمنين بإذن الله، وباقي الآية ذُكر في سورة البقرة، ثمَّ أخبر أنَّهم غير متساوين في دينهم فقال: {ليسوا سواء} وأخبر أنَّ منهم المؤمنين فقال: {من أهل الكتاب أمة قائمة} أَيْ: على الحقِّ {يتلون} يقرؤون {آيات الله} كتاب الله {آناء الليل} ساعاته. يعني: عبد الله بن سلام ومَنْ آمن معه من أهل الكتاب {وهم يسجدون} أَيْ: يُصلُّون.


{وما يفعلوا من خيرٍ فلن يكفروه} لن تُجحدوا جزاءه.
{إنَّ الذين كفروا...} الآية. سبقت في أوَّل هذه السورة.
{مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا} يعني: نفقة سفلة اليهود على علمائهم {كمثل ريح فيها صرٌّ} بردٌ شديدٌ {أصابت حرث قومٍ ظلموا أنفسهم} بالكفر والمعصية. أعلم الله تعالى أنَّ ضرر نفقتهم عليهم كضرر هذه الرِّيح على هذا الزَّرع {وما ظلمهم الله} لأنَّ كلَّ ما فعله بخلقه فهو عدلٌ منه {ولكن أنفسهم يظلمون} بالكفر والعصيان، ثمَّ نهى المؤمنين عن مباطنتهم فقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة} أَيْ: دخلاً وخواصَّ {من دونكم} من غير أهل ملَّتكم {لا يألونكم خبالاً} أَيْ: لا يدعون جهدهم في مضرَّتكم وفسادكم {ودُّوا ما عنتم} تمنَّوا ضلالكم عن دينكم {قد بدت البغضاء} أَيْ: ظهرت العداوة {من أفواههم} بالشَّتيمة والوقيعة في المسلمين {وما تخفي صدورهم} من العداوة والخيانة {أكبر قد بيّنا لكم الآيات} أَيْ: علامات اليهود في عداوتهم. {إن كنتم تعقلون} موقع نفع البيان.
{ها أنتم} {ها} تنبيهٌ دخل على {أنتم} {أولاء} بمعنى: الذين. كأنَّه قيل: الذين {تحبُّونهم ولا يحبُّونكم} أَيْ: تريدون لهم الإِسلام، وهم يريدونكم على الكفر {وتؤمنون بالكتاب كلِّه} أَيْ: بالكتب، وهو اسم جنس {وإذا خلوا عضُّوا عليكم الأنامل} أَيْ: أطراف الأصابع {من الغيظ} التَّقدير: عضُّوا الأنامل من الغيظ عليكم، وذلك لما يرون من ائتلاف المؤمنين واجتماع كلمتهم {قل موتوا بغيظكم} أمر الله تعالى نبيَّه أن يدعو عليهم بدوام غيظهم إلى أن يموتوا {إنَّ الله عليمٌ بذات الصدور} بما فيها من خيرٍ وشرٍّ.
{إن تمسسكم حسنةٌ} نصرٌ وغنيمةٌ {تسؤهم} تحزنهم {وإنْ تصبكم سيئة} ضد ذلك، وهو كسرٌ وهزيمةٌ {يفرحوا بها وإن تصبروا} على ما تسمعون من آذاهم {وتتقوا} مقاربتهم ومخالطتهم {لا يضرُّكم كيدهم} عداوتهم {شيئاً إنَّ الله بما يعملون محيط} عالمٌ به فلن تعدموا جزاءه.
{وإذ غدوت} يعني: يوم أُحدٍ {من أهلك} من منزل عائشة رضي الله عنها {تبوِّئ} تُهيِّئ للمؤمنين {مقاعد} مراكز ومثابت {للقتال والله سميع} لقولكم {عليم} بما في قلوبكم.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11